علاقة المخدرات بالانتحار

Apr 19, 2023 | Mental health, Mona Abi-Sleiman

بقلم منى ابو سليمان

نقلتها إلى العر بية نور جابر

يُعد استخدام المخدرات شائعاً بهدف الشعور بالرضا، أو الشعور بتحسن، أو تحسين الأداء، أو ببساطة من باب الفضول. فعند استهلك الأفراد للمخدرات أول مرة، يرون آثارًا إيجابية ويعتقدون أنهم قادرون على التحكم في كَمية استهلاكهم. ومع ذلك، يمكن للمخدرات أن تسيطر بسرعة على حياة الفرد، ويؤدي الاستمرار في استخدامها مع مرور الوقت إلى جعل الأنشطة الممتعة أقل متعة، ويصبح الفرد معتمدًا على المخدرات ليشعر بأنه «طبيعي». وعلى الرغم من أن المخدرات تسبب العديد من المشاكل لأنفسهم ولأحبائهم، إلا أنهم يجدون صعوبة في التحكم في رغبتهم في تناولها. حيث يشعر بعض الأفراد بالحاجة الملحة إلى تناول المزيد منها في الكثير من الأحيان حتى في البداية. هذه هي الخطوات التي تؤدي إلى الإدمان.

ثمة العديد من المشاكل التي قد تنشأ نتيجة لتعاطي الكحول والمخدرات بشكل متكرر. ثم أن سوء استخدام المواد المخدرة له العديد من العواقب المُغيِّرة للحياة، بدءًا من انخفاض نوعية الحياة إلى القضايا القانونية حتى الجرعة الفرطة. أحد أهم المخاطر المرتبطة بسوء استخدام المواد المخدرة، التي غالبًا ما يتجاهله الأحباء ومراكز العلاج، هو الانتحار.

سوء استخدام المواد المخدرة والانتحار بالأرقام:

  •  انتحار أكثر من ١ مليون شخص كل عام في جميع أنحاء العالم.
  • يُعد المصابين باضطراب استخدام الكحول، أكثر عرضة للوفاة بالانتحار بمقدار١٠ مرات تقريبًا مقارنةً بعامة السكان.
  • يُعد الأفراد الذين يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن أكثر عرضة للانتحار بنحو١٤ مرة مقارنةً بعامة السكان.
  • من إجمال حالات الدخول إلى المستشفيات سببها الانتحار الذي كانت مرتبطة بإدمان المخدرات والكحول.٨٥٪
  • من مدمني الكحول والمخدرات يقتلون أنفسهم بطرق متنوعة.  ٢٥٪
  • ثمة معدّل انتشار بنسبة ١٨٪ للانتحار بين مدمني الكحول والمخدرات بين عامة السكان.
  • من حالات انتحار المراهقين مرتبطة بمشاكل الكحول أو المخدرات.  ٧٠٪
  • يفوق عدد الذكور الإناث في ضحايا الانتحار بنحو أربعة إلى واحد، حيث إن الانتحار مرتبط باضطرابات استخدام المواد المخدرة لدى النساء بشكل أقوى.
  • حوالى ٤٠٪ من المرضى الذين يسعون للعلاج من إدمان المخدرات لديهم تاريخ محاولات انتحار. 

يُعد مدمنو المخدرات الذين يخضعون للعلاج أكثر عرضة لمحاولات انتحار لأسباب مختلفة، وغالباً ما يدخلون المستشفى مع أعراض إكتاب وضغوطات شديدة، على سبيل المثال (خسارة عِلاقة، وفقدان وظيفة ومشاكل صحية ومالية) التي لا تدفعهم فقط إلى طلب العلاج بل تجعلهم أكثر عرضة للسلوك الانتحاري.

يُعد ارتباط الكحول والمخدرات سبب أو مساهم للأفكار والسلوكيات الانتحارية. حيث عدّ إدمان الكحول والمخدرات من عوامل الخطر المهمة للانتحار، سواء كأسباب قاصدة أو كمحفزات للسلوك الانتحاري. يلعب الاستخدام المزمن للكحول والمخدرات دورًا مسببًا ومهمًا في تطوير الأفكار والأفعال الانتحارية باستعمال التأثيرات الدوائية على الدماغ الذي تُضعف السيطرة والإدراك وتسبب الاكتئاب الحاد. الإضافة إلى ذلك، فإن أسلوب الحياة الموجه نحو الأزمة لمدمني الكحول والمخدرات مع ما يترتب على ذلك من انقطاع للعلاقات الشخصية يؤدي إلى تطوير الدوافع انتحارية.

 تُعد حالة اليأس الذاتية مفتاح التصرف في حالة الانتحار الفعلي. «اليأس» هو الشعور بوجود خطر وشيك يعجّل في إلحاق التدمير الذاتي. كما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالانتحار وهو أساسي للحالة الانتحارية، سواء بسبب المخدرات لسبب آخر. يبدو أن العقل يتطلب الأمل ليس فقط للحفاظ على القصور الذاتي الكافي للبقاء حيٌّ يُرزَق ولكن لتجنب الانقراض الذاتي أيضًا. 

تخلق الكحول والمخدرات مشاعر اليأس نتيجة لـِ آثارها السامة، عبر تعطيل العلاقات بين الأفراد والدعم الاجتماعي وربما التلاعب بالناقلات العصبية المسؤولة عن المزاج والتمييز. نظرًا لأن إدمان الكحول والمخدرات من عوامل الخطر الرئيسية للانتحار والسلوك الانتحاري، ينبغي إجراء فحوص لكشف مدى استعداد الشخص للانتحار لأي فرد يعتمد على الكحول أو المخدرات، خاصة إذا كان يستخدم الكحول أو المخدرات بشكل فعال.

إضافة إلى ذلك، إن وجود أمراض مصاحبة للأمراض النفسية لدى الأفراد المعتمدين من الناحية الكيميائية يرتبط بارتفاع معدل انتشار الانتحار. فمن الممكن أن يعاني مدمني الكحول والمخدرات من اضرابات نفسية متزامنة، مصاحبة مع الانتحار كعامل خطر مهم. تُعد أكثر الاضطرابات النفسية المصاحبة شيوعًا هي الاكتئاب واضطراب الشخصية الحدية والهوس والفصام. ويُعد وجود تاريخ عائلي للاكتئاب والانتحار وإدمان الكحول بارزًا في الحالات الانتحارية. 

تتضمن الأدوية المرتبطة بالسلوك الانتحاري بعض مضادات الاكتئاب ولا سيما الكحول والمهدئات والمنومات والمواد الأفيونية، بالإضافة إلى المنشطات مثل الكوكايين والأمفيتامينات. 

تؤدي الإجراءات الدوائية لهذه المخدرات إلى اكتئاب مشابه للاكتئاب من أسباب أخرى. يمكننا تشخيص الاكتئاب بواسطة البحث عن الحالة المزاجية، والتخلف النفسي الحركي، والانسحاب الاجتماعي، والشعور بالذنب، وتوبيخ الذات. تميل مواد الاكتئاب إلى إنتاج الاكتئاب خلال التسمم، بينما تنتج المواد المنشطة عادةً الاكتئاب خلال الانسحاب. توفر عقاقير الإدمان هذا نموذجًا نفسيًا عصبيًا للاكتئاب والانتحار وقد توفر رؤى حول الآليات الكامنة وراء السلوك الانتحاري.

قد يتعافى الشخص الذي يعاني الاكتئاب المشترك الناجم عن تعاطي الكحول والمخدرات تدريجياً خلال الانقطاع عن التعاطي. عادة، يعاني مدمن الكحول أو المخدرات من الاكتئاب والبارانويا والقلق بسببها، لذا فإن الامتناع عن كليهما أمر ضروري. ومع ذلك، يُلاحظ ارتفاع معدل الانتكاس بين مدمني الكحول والمخدرات، حيث يجب توفير علاج محدد للإدمان.

فعند تنفيذ خُطَّة علاج المحددة للإدمان، يظهر الأمل مجدداً بعد الانقطاع عن التعاطي لفترة طويلة. تتضاءل عادة الأفكار الانتحارية والسلوكيات بشكل كبير خلال مدّة الانقطاع وعلاج الإدمان. ومع ذلك، قد تستمر عند مستويات منخفضة وبشكل مزمن في الأشهر الأولى بسبب التأثيرات الدوائية المطولة للدواء. كما تلعب الحالة المتدهورة للشخصية والحالة الذهنية الضعيفة للفرد المدمن أدوارًا بارزة. فعلى الرغم من تكرار الأفكار الانتحارية، ينخفض خطر الانتحار بالنسبة لمعظم مدمني الكحول والمخدرات في وقت مبكر نظرا لأن معظم هذه العوامل تستجيب للعلاج. لا يُشار إلى استخدام أدوية مضادات الاكتئاب والذهان في غالبية حالات الاكتئاب المستحدث كيميائيًا، وقد تكون ضارة بالسكان المعرضين لتأثيرات الأدوية الضارة مثل التخدير، وانخفاض الإدراك، وتغير المزاج. ومع ذلك، إذا استمرت الأفكار الانتحارية التهديدية الشديدة الْخَطَر، يجب البدء في الاستخدام الانتقائي لمضادات الاكتئاب.

يُعد الفحص الدقيق مهم لتشخيص إدمان الكحول والمخدرات في سياق محاولة الانتحار. إذ لم يُعد إدمان الكحول أو المخدرات كسبب أو سبب لمحاولة الانتحار ولم يتم علاجه بشكل صحيح ترتفع نسبة احتمال حدوث انتحار آخر. إذا وصف علاج محدد فقط للأعراض النفسية المصاحبة، تستمر مشاعر اليأس بالإضافة إلى تهديد محفوف بخطر الانتحار.